قناة جنوب المتوسط

ديسمبر 27, 2024

الأخبار
  • إنهاء مهام رئيس مدير عام شركتين لأنبوب الغاز العابر للبلاد التونسية

  • بعد تحجير السفر عليه.. رجل أعمال يطلب الصلح الجزائي

  • لجنة وزارية مشتركة لضبط برنامج تدخّل خاص برياض الأطفال البلديّة

  • قبل العودة المدرسية: الترفيع في مساعدات أبناء العائلات المعوزة

  • انتدابات وتسوية وضعيات.. وترفيع في أجور المدرسين النواب

  • القيروان: قتيل وخمسة جرحى في اصطدام شاحنة بسيارة

  • الجلسة العامة العادية لجامعة كرة القدم: المصادقة على التقريرين الأدبي والمالي للمواسم الثلاثة الأخيرة

  • رواندا والكاميرون تتخذان إجراءات عاجلة خوفا من سيناريو الغابون

تراجُع في تحقيق أهداف التنمية المستدامة ودعوة إلى التعاون الإقليمي

طوال السنوات الأخيرة، أثّرت جائحة كورونا، وكذلك الأزمة المستمرة في أوكرانيا، على بلدان العالم أجمع، وعلى كل المستويات، بما في ذلك البيئة والمناخ. ولم يكن ممكناً للدول العربية، إضافة إلى التعامل مع تأثير النزاعات والحروب الإقليمية السابقة والحالية، تفادي تداعيات هذه الأزمات العالمية على الأوضاع البيئية، كما التزام الجدول الزمني لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، لا سيما فيما يتعلّق بالأمن الغذائي وتغيُّر المناخ. ومن المرجَّح أن يتحمل العالم والمنطقة العربية تبعات مزيد من الأوبئة والحروب ذات الأثر العالمي مستقبلاً.

لهذا السبب، خصص المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) تقريره الرابع عشر، الذي يطلقه اليوم في الكويت ضمن سلسلته عن «البيئة العربية»، لدراسة تأثير الأوبئة والحروب على البيئة والمناخ. ويركّز هذا التقرير على النتائج المستفادة من الأزمات الأخيرة من حيث تأثيرها على أهداف التنمية المستدامة والتحوُّل في قطاع الطاقة والأمن الغذائي والمياه والتمويل، كما يكشف أن الكوارث العالمية الناشئة عرّضت بلدان المنطقة لتحديات غير مسبوقة، لم يكن معظمها مستعداً لمواجهتها على النحو المناسب، ويقترح مسارات بديلة لتعزيز المرونة والقدرة على المواجهة.

أهداف التنمية المستدامة

قبل فترة طويلة من تفشي جائحة «كوفيد – 19» وأزمة أوكرانيا، كان التقدم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، على مستوى المنطقة العربية والعالم، متأخراً. فقد صيغت أهداف التنمية المستدامة، التي تغطي الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، في عام 2015، لتحقيقها بحلول 2030. وكانت للوباء والحرب المستمرة في أوكرانيا عواقب مدمّرة على مستوى العالم، جعلت تحقيق الأهداف تحدياً أكبر من ذي قبل. وتسبب تقارب هذه الكوارث في نشوء تحديات غير مسبوقة على طريق تحقيق أهداف التنمية المستدامة، لا سيما في البلدان العربية، التي كانت تواجه أصلاً تقصيراً في هذا المجال، زادته الكوارث والأحداث تفاقماً.

وكان لفيروس كورونا تأثير عميق على الدول العربية على مستويات مختلفة. ففي ذروة الوباء، كان الملايين من الناس أكثر عرضة للإصابة بالفيروس نتيجة نقص متطلبات النظافة والمرافق الأساسية لغسل اليدين، توازياً مع تفاقم وضع الاقتصادات العربية وانخفاض حاد في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي وانتكاسات هائلة لقطاع السياحة. كل هذه العوامل أدّت إلى زيادة الفقر في معظم بلدان المنطقة، ما عدا النفطية منها. وفي بعض الدول العربية، مثل لبنان، ترافق الوباء مع أزمة مالية غير مسبوقة أدّت إلى ارتفاع معدلات البطالة وتضخم متصاعد وانهيار حاد في الخدمات الأساسية.

وكانت للحرب في أوكرانيا عواقب وخيمة على الدول العربية، التي يعتمد كثير منها على الإمدادات الغذائية، كالقمح والحبوب الأخرى، من روسيا وأوكرانيا، خصوصاً لبنان ومصر. ومن ناحية أخرى، انعكست أزمة الطاقة التي نتجت من الحرب بالفائدة على الدول العربية المصدّرة للنفط، إذ وفّرت لها الأسعار المرتفعة مزيداً من الإيرادات للحدّ من تأثير انخفاض الواردات الغذائية. وسوف يكون أمراً جيداً لهذه البلدان أن تستفيد من استخدام هذا الدخل الإضافي غير المتوقع لتعزيز الأمن الغذائي في المنطقة والمساهمة في تقدُّم أهداف التنمية المستدامة الأخرى، مثل القضاء على الجوع والفقر، فضلاً عن تعزيز الاستثمارات في الطاقة النظيفة والمتجددة، وهو ما فعله البعض، مثل السعودية والإمارات ومصر والمغرب.

التحوُّل الطاقوي

على الصعيد العالمي، العرب متأخرون عن الخطوات المطلوبة لتنفيذ اتفاق باريس المناخي، الذي ينص على الحدّ سريعاً من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، مما يتطلب تحوُّلاً سريعاً إلى مصادر طاقة نظيفة ومتجددة. لقد سلّطت جائحة كورونا والأزمة في أوكرانيا الضوء أكثر من أي وقت مضى على هشاشة الاعتماد الكبير على الوقود المستورد، خصوصاً من مصادر غير مستقرة، وأهمية أمن الطاقة. ويتعيّن على المنطقة العربية أن تأخذ هذه الأزمات على اعتبار أنها دافع إلى التغيير، لتكون عنصر استقرار في سوق الطاقة، خلال فترة التحوُّل وما بعدها. ومن خلال تعزيز علاقات التعاون بين الدول المجاورة، والاستثمار في كل أشكال الطاقة النظيفة والمتجددة وتطبيقاتها، بما في ذلك الهيدروجين الأخضر، وتحلية المياه القائمة على الطاقة المتجددة، يمكن المنطقة العربية أن تكون أقل تأثراً بالأزمات المستقبلية المشابهة. وقد أخذت دول عربية خطوات جدية في مجال الطاقة النظيفة والمتجددة، آخرها إعلان المملكة العربية السعودية عن خطط لبدء تصنيع السيارات الكهربائية محلياً، هدفها الوصول إلى 500 ألف وحدة بحلول سنة 2030.

لقد أدّت الأزمات الأخيرة إلى ارتفاع عائدات الدول المنتجة للوقود الأحفوري في المنطقة العربية، وتالياً قد يكون من المُغري الاستمرار على هذا المنوال لأطول فترة، بما يرتبه من مخاطر على التخلف عن التحوُّلات في أسواق الطاقة العالمية. لكن كثيراً من المبادرات المعلنة والمنفذة المتعلقة بالطاقة المتجددة يشير إلى أن التحوُّل نحو الطاقة المستدامة سيستمر. كما يمكن استخدام عائدات الوقود الأحفوري المرتفعة لدعم مبادرات الطاقة المتجددة، وهذا ما تفعله دول عربية نفطية عدّة. وتدرك بلدان المنطقة على نحو مزداد فائدة العمل معاً لإنشاء شبكات طاقة متجددة مترابطة تجعل هذا التحوُّل أكثر جدوى. حتى إن هناك خططاً قائمة بين الدول العربية والدول المجاورة – المغرب والمملكة المتحدة ومصر واليونان – للتصدير المتوقع للطاقة المتجددة إلى أوروبا. كذلك بات تصدير الهيدروجين المسال جزءاً أساسياً من الخطط المستقبلية لكثير من الدول المنتجة للنفط.

الأمن الغذائي

لا تزال الطريق طويلة أمام المنطقة العربية لتحقيق هدف القضاء على الجوع بحلول سنة 2030، كما ينص على ذلك الهدف رقم 2 من أهداف التنمية المستدامة. ويعود ذلك إلى عوامل مختلفة، منها النمو السكّاني السريع وموارد المياه المحدودة وتدهور الأراضي والجفاف الناجم عن تغيُّر المناخ وارتفاع درجات الحرارة. وإلى الحروب والصراعات المحلية والإقليمية، تعرّض الأمن الغذائي أيضاً للتهديد نتيجة للأزمات الخارجية، بما في ذلك جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا. ولكن ينبغي التشديد على أن انعدام الأمن الغذائي ليس نتيجة للنزاعات فحسب، بل يمكن لفقر الإمدادات الغذائية أيضاً أن يحضّ على الصراع، مما يؤدي إلى اضطرابات وثورات وأزمات اقتصادية.

من القضايا الرئيسية في المنطقة أن البلدان العربية بعيدة جداً عن الاكتفاء الذاتي من السلع الغذائية الرئيسية، على الأقل في المستقبل القريب. وفي حين أن معدلات الاكتفاء الذاتي في المنطقة من الأسماك ومنتجات الألبان تزيد على 80 في المائة، فإن هذا ليس الحال بالنسبة للحبوب والزيوت النباتية والسُكّر، إذ تتجاوز الواردات 90 في المائة في معظم الحالات. وهذا يجعل الدول العربية عرضة لحالات الطوارئ التي تؤثر على التجارة العالمية وسوق الغذاء، كما حدث خلال الجائحة والحرب في أوكرانيا. فالتأثير الكبير على أسعار المواد الغذائية كان ملحوظاً في البلدان التي عانت انخفاضاً حاداً في قيمة عملتها، مثل لبنان وسوريا واليمن ومصر، مما أدى إلى زيادة تكلفة سلة الغذاء الأساسية لديها بمعدل سنوي راوح بين 100 في المائة وأكثر من 400 في المائة.

تحتاج الدول العربية إلى الاستعداد على نحو أفضل لمواجهة مثل هذه الانتكاسات، لما للأزمات الخارجية من آثار خطيرة على أمنها الغذائي. على الدول العربية، مع تفاوت قدراتها الاقتصادية وإمكاناتها للزراعة المستدامة، زيادة الاستثمار في الإنتاج المحلي للمحاصيل الغذائية وتعزيز التنسيق والتعاون الإقليميين، إلى جانب زيادة الاستثمار في البحث والتطوير الزراعيين.

الأمن المائي

تعاني معظم الدول العربية عجزاً كبيراً في المياه، تعوّضه من طريق التنقيب عن موارد المياه الجوفية، والاعتماد على محطات تحلية باهظة الثمن، والتوسع في إعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة. وقد أسهمت أنماط الاستهلاك والإنتاج غير المستدامة طوال السنوات الأخيرة، إلى جانب عواقب تغيُّر المناخ، في زيادة ندرة المياه وزيادة استهلاك الطاقة وانبعاثات غازات الاحتباس الحراري المرتبطة بها، وتالياً تفاقم تدهور الأراضي والتصحُّر وتصاعد فواتير استيراد المياه والغذاء والطاقة.

وجاءت الجائحة بمثابة جرس إنذار فيما يتعلّق بأهمية الوصول إلى المياه النظيفة والصرف الصحي والنظافة للجميع، وهي متطلّبات أساسية تفتقدها بلدان عربية كثيرة. علاوة على ذلك، كان ما يقدّر بنحو 26 مليون لاجئ في دول المنطقة، خارجي وداخلي، أكثر عرضة للإصابة بـ«كوفيد – 19» نتيجة نقص خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة في المخيمات المكتظة والمساكن غير الرسمية. وفاقم ارتفاع أسعار الطاقة الوضع، بما له من أثر على توليد الكهرباء المستخدمة لتحلية المياه، وإعادة تدوير مياه الصرف الصحي، وإيصال المياه وضخّها، إلى جانب الري.

وإذ ينصّ الهدف 6 من أهداف التنمية المستدامة على ضرورة ضمان حصول الجميع على خدمات المياه والصرف الصحي، يتعين على الدول العربية إعطاء الأولوية للجهود لتحقيق ذلك، من خلال الارتقاء بالبنية التحتية المتعلقة بالمياه، بما في ذلك خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة الأساسية. كما ينبغي تحديث طرق الري وجعل المحاصيل الموفرة للمياه أكثر كفاءة وملاءمة. لقد كان الوباء والحرب الأخيران بمثابة تذكير مأساوي بأننا لم نكن مستعدين، مائياً، لمواجهة مثل هذه الكوارث، ولا يزال الكثير الذي يجب القيام به للارتقاء بجاهزية المياه في الدول العربية، بدءاً من تعزيز الكفاءة والتعاون الإقليمي.

دروس الجائحة والحرب للعمل البيئي والمناخي

> إدخال العمل المناخي والبيئي ضمن سياسات التنمية وبرامجها، وليس كعامل عرضي. وهذا يستدعي وضع سلَّم للأولويات يسمح باستخدام التمويل المتوافر في الميزانيات الحالية لتنفيذ البرامج المعدلة في هذا الاتجاه، بكفاءة أكبر وفساد أقل، قبل البحث عن مصادر تمويل جديدة وزيادة عبء القروض. فالإصلاح يسبق التخضير. > الاستعداد للتعامل مع تحوُّل سريع جداً إلى الطاقات المتجددة؛ بسبب مضاعفات الحرب في أوكرانيا، في تحالف بين العوامل الجيوسياسية والاقتصادية من جهة، ومتطلّبات تخفيف الانبعاثات الكربونية لتحقيق الأهداف المناخية من جهة أخرى. هذا يستدعي تنويع مصادر الطاقة، باستثمار فائض الدخل الحالي في الطاقات النظيفة والمتجددة، إلى جانب الهيدروجين؛ للحفاظ على القدرة التنافسية في أسواق الطاقة. > استثمار الزيادة الحالية في مردود النفط والغاز لتنفيذ برامج سريعة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة على المستويين الوطني والإقليمي، كاستثمار في الاستقرار. > استفادة الدول العربية النفطية من قمة المناخ المقبلة في الإمارات كفرصة لإثبات النية والقدرة على تقديم قيمة اقتصادية مضافة لا تنحصر بتصدير النفط والغاز؛ للدخول كشريك قوي العمل المناخي العالمي.

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *