الجيوب الفارغة لا تفعل شيئا بالانسان…لكن العقول الفارغة هي التي ترينا العجب … العجاب…
عندما نُشر كتاب حول صحيفة ” لومند” الفرنسية، شكّل حدثا اعلاميا و ثقافيا مهمّا ، أثار ضجّة وهز من مصداقية هذه الصحيفة التي تفتخر بها عادة النخب الفرنسية.
كشف الكتاب علاقة السّاهرين على الصحيفة وخاصة من مسؤولي التحرير بإدارة قصر الرئاسة الايليزي … كذلك بعض الأدوار التي كان قام بها مسؤولو الصحيفة في معارك سياسية بين فرقاء فرنسيين. مما أساء في مقتل للشعار الذي ترفعه ” لومند” بكونها فوق كل الخصومات السياسية.
أثيرت قبل فترة ضجة في ألمانيا عندما كشفت تقارير استخباراتية تورّط عدد من الصحفيين الألمان في أعمال تجسس وجمع معطيات لفائدة أجهزة تابعة للدّاخلية الألمانية ، بل أنه تمّ الكشف أن صحفيين ألمان كانوا يتولّون تقديم المعلومات عن أنشطة زملائهم لهذه الجهات .
الحكايات عن تورّط وسائل إعلام مع أجهزة استخباراتية طويلة ومتعددة… هنالك كتب ودراسات صدرت حولها.
استحضرت هذه المواقف وأنا أتابع تطورات العراق الأخيرة… بل عدت الى تاريخ قريب موصول بهذه الأحداث سأواصل الإعتقاد أنه لم يكن زعيم القاعدة أسامة بن لادن ليبادر بالقيام بضرب مركز التجارة العالمي الأمريكي يوم 11 سبتمبر لولا اطمئنانه على أن حلفاءه من طالبان لن يخذلوه ويسلّموه الى الإدارة الأمريكية.
بالفعل وهو الأمر الذي أكدته وقائع الأحداث فيما بعد، لكن بن لادن حرص على احاطة نفسه بكل عوامل الطمأنينة فبادر وقبل يومين من زلزال نيويورك، بردّ الجميل وإظهار الاخلاص والولاء مسبّقا لرجال طالبان ، الذين كانوا وقتها في حرب ضروس مع منافسهم شاه مسعود .
دبر بن لادن عملية ارهابية خططت لها قواعده من أوروبا وورطت فيها بعض الشباب من شمال افريقيا من ذوي التوجهات المتطرفة، وتحديدا انطلاقا من مدينة بروكسيل حيث قدّموا أنفسهم كفريق صحفي ليتحولوا من هناك إلى أفغانستان في مهمّة تليفزيونية ويقوموا باغتيال مسعود.
كانت اكبر صفقة غيّرت مجرى تاريخ منطقة بأكملها، مازلنا نعيش على وقع استتباعاتها الى يومنا هذا .
لا أعتقد أن أمرا ما في حرب الارهاب هذه التي هي عنوان المرحلة الراهنة يتم بدون وجود صفقة حتى وان اختلفت أهدافها ومَن يقف وراءها .
تابع الجميع تطورات اغتيال ابي مصعب الزرقاوي من خلال غارة أمريكية دقيقة في كلّ جزئية فيها توقيتها، تنفيذها وحتى اخراجها التلفزيوني.. قبل ذلك كنا شاهدنا بالباكستان كيفيّة القاء القبض على أحد ابرز رموز تنظيم القاعدة هناك رمزي بن شيبة القاسم المشترك في كل هذا، هو حضور الإعلام فهو الوسيلة التي استعملت ووظفت في مثل هذه العمليات رغم الاختلاف بخصوص الجهات المخططة أو المدبرة لذلك.
بالنسبة لشاه مسعود كان حامل القنبلة ومفجرها والارهابي صاحب العملية انتحل صفة الفريق الصحفي الذي يريد تغطية حدث… أما فيما يتعلق بعمليتي اغتيال الزرقاوي واختطاف بن شيبة فإن الأمرين تزامنا مع قيام قناة إعلامية وهي ” الجزيرة ” بتحقيقات صحفية معهما وحولهما.
انها بلا شك مفارقة عجيبة غريبة، أن يحشر قطاع حضاري بأهمية ومكانة الإعلام أو الصحافة في اعمال استخباراتية أو ارهابية أو انتحارية أو حتى في صراع بين أطراف تتموقع في مواجهة لا تترك شيئا لا أمامها ولا وراءها.
اننا اليوم مع كلّ هذه التحوّلات والثورة الاتصالية التي حوّلت العالم الى قرية واحدة وحيدة، أمام نقلة نوعية في مجال الإعلام والاتصال الذي أصبح يوظف بهذا الشكل في حرب الارهاب ويطعن من خلال ذلك الصحفي في أعزّ ما يملكه وهو الأمانة الصحفية ، ويصبح أداة في حرب الصّراعات الدولية .
هل يمكن أن نستغرب بعد ذلك أن يطال هذا التوظيف مجالات العلاقات الدّولية والمصالح المختلفة والمتناقضة أحيانا بين الدول.
اننا في وضع عالمي جديد اليوم، لا بدّ أن ندرك خطورته وتبعاته .
أن سيادة الدّول أصبحت مستهدفة ومطعونة من طرف هذه ” الماكينة ” الإعلامية التي غدت بمثابة الغول الجديد.
بقلم – أبوبكر الصغير
Tweet