رئيس الجمهورية يلتقي عددا من رؤساء الحكومات السابقين ويبحث معهم سبل الخروج من الأزمة التي تعيشها البلاد
مثلت مناقشة السبل الكفيلة بالخروج من الأزمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها تونس، والتباحث في الأسباب التي أدّت إلى هذا الوضع المتأزم، محور الإجتماع الذي عقده رئيس الجمهورية قيس سعيّد، اليوم الثلاثاء بقصر قرطاج، مع عدد من رؤساء الحكومات السابقين، وهم علي العريّض ويوسف الشاهد وإلياس الفخفاخ، بحضور رئيس الحكومة هشام المشيشي.
وأكد رئيس الجمهورية خلال اللقاء، أنه مستعد للحوار لكنه يرفض أن يكون على الطريقة السابقة، “أو يكون محاولة يائسة وبائسة لإضفاء مشروعية كاذبة على الخونة وعلى اللصوص”، مضيفا أنه لن يتم الحوار إلا لحل مشاكل التونسيين والتونسيات، ولن يكون أبدا كسابقيه، حسب ما جاء في فيديو نشرته رئاسة الجمهورية على صفحتها الرسمية.
ولاحظ أن الحوار السابق الذي كان يوصف بأنه وطني، “لا هو بحوار ولا هو وطني”، قائلا “من كان وطنيا مؤمنا بإرادة شعبه لا يذهب إلى الخارج سرا بحثا عن طريقة لإزاحة رئيس الجمهورية بأي شكل من الأشكال حتى بالاغتيال .. ألا بئس ما خططوا وبئس ما فعلوا”.
وأضاف سعيّد “سينعق الناعقون المأجورون كعادتهم في النهيق والشهيق، فهم لا يقدرون على العيش إلا في المستنقعات ولا يعيشون إلا بأموال الخيانة”.
كما أبرز ضرورة ادخال إصلاحات سياسية، لا سيما بعد حالة الانقسام وتعطّل السير العادي لدواليب الدولة، الذي أفرزه النظام السياسي الحالي وطريقة الاقتراع المعتمدة، قائلا “سنعمل على الابقاء على مؤسسات الدولة مهما كانت المؤمرات والصفقات في انتظار نظام سياسي جديد “.
وقال في هذا الصدد، “للأسف تونس تعيش في ظل نظامين إثنين، أحدهما ظاهره قوانين ومؤسسات، وباطنه خفي لا يعمل إلا تحت جنح الظلام هو الذي يحرّك هذه المؤسسات أو ما تبقّى منها، ويضفي على هذه الخطط مشروعية كاذبة عن طريق الأبواق المسعورة والمأجورة”.
وصرح بأن رئاسة الجمهورية “لن تكون شاهد زور أو حليفا أو طرفا لشق ما” ، مضيفا أنه “يصر على التناسي والتغافل وأن عمقه الشعبي معروف لدى الجميع، وأنه لا ينتمي لأي حزب أو حلف أو ائتلاف”.
ولدى تعرّضه الى عدد من الاخلالات والتجاوزات القانونية والأخلاقية، أكد سعيّد في هذا الخصوص، أن الحصانة “لا يمكن أن تكون أداة لتجاوز القانون، بل هي أداة لضمان استقلالية من يتمتع بها”. وأنه لن يفلت من العقاب أحد في إطار القانون، لأن الناس كلهم سواسية أمام القانون.
كما شدد على أنه “لا مجال لترك الدولة في مهب الصفقات، ولا مجال لترك الشعب جائعا يقتات من فضلات القمامة”، قائلا “يعمل البعض في الفترة الأخيرة على مزيد من التجويع ومزيد من الخراب .. لكن المتاجرة بفقر الفقراء وبؤس البؤساء لن يؤدي بهم إلى أي شيء”.
وقد سبق لرئيس الدولة أن تطرق خلال لقائه يوم الجمعة الفارط برئيس الحكومة وزير الداخلية بالنيابة ووزيرة العدل بالنيابة، إلى مسألة عدم متابعة عدد من النواب قضائيا بسبب الحصانة البرلمانية.
كما أشار سعيّد خلال اللقاء وحسب الفيديو المنشور، إلى تعطل استرجاع الأموال المنهوبة في تونس منذ 2015، وعدم تعافي سلك القضاء والبلاد على كافة المستويات، مشددا على ان النجاح المطلوب لن يتحقق إلا إذا اجتمع الجميع على كلمة الحق والحرية والشغل والكرامة الوطنية، داعيا الشباب الى الانتباه من “المندسين والخونة والعملاء”، والذي قال إنهم “لن يرضوا إلا باسقاط الدولة ومزيد التنكيل بها”.
وأجمع الحاضرون خلال اللقاء، على أن الوضع في تونس لا يمكن معالجته بالطرق التقليدية، بل يستوجب بلورة تصوّر جديد يقوم على إدخال إصلاحات سياسية جوهرية، ومن بينها القانون الانتخابي، إلى جانب بعض الأحكام الواردة في نصّ الدستور، “الذي قام على وضع الأقفال في كل مكان “، على حد تعبير سعيّد، الذي شدد على انه “لا يمكن أن تسير المؤسسات بالأقفال والصفقات”.
كما تم الاتفاق على الاجتماع مجدّدا في أقرب الآجال، حتى يقدّم كلّ مشارك تصوّره للحلول، إضافة الى إمكانية تشريك أطراف أخرى، شرط أن يكون العمل نابعا من تصوّرات وطنية لا من اعتبارات ظرفية أو حسابات سياسية ضيّقة.
وأوردت رئاسة الجمهورية في بلاغها، أن حمادي الجبالي ومهدي جمعة قد تخلفا عن هذا الاجتماع نظرا لوجودهما خارج أرض الوطن، كما تغيب الحبيب الصيد بسبب وضعه الصحّي، مبينة أن دعوة رؤساء الحكومات السابقين لم تتم بناء على الانتماء الحزبي، بل باعتبار التجربة التي مرّ بها المسؤولون المذكورون.
وكان رئيس الدولة، التقى يوم الجمعة الماضي، الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي، وتباحثا الوضع العام في البلاد واستمرار الأزمة السياسية، فضلا عن مناقشة جملة من التصوّرات الممكنة للخروج من الأزمة الراهنة.
وجدّد سعيّد التأكيد خلال اللقاء، على انفتاحه على الحوار من أجل التوصّل إلى حلّ للأزمة، مشددا على أنه لا حوار مع من تعلّقت به شبهات فساد، ولا مجال للتفريط في أيّ مليم من أموال الشعب، وضرورة التفريق بين السلط.
من جهته، وصف الطبوبي اللقاء بأنه “إيجابي جدا”، مشيرا إلى وجود تقدم في إتجاه إيجاد مخرجات قال إنها ستبرز في الاوقات المناسبة، وستكون هناك بوادر في القريب العاجل.
Tweet