نواب يعتبرون أن التجاذبات والحسابات السياسية هي السبب الحقيقي وراء تعطيل إرساء المحكمة الدستورية
اعتبر عدد من نواب الشعب خلال مداخلاتهم في الفترة الصباحية للجلسة العامة المنعقدة اليوم الأربعاء والمخصصة لمناقشة مقترحي تنقيح للقانون المتعلق بالمحكمة الدستورية، أن السبب الجوهري لتعطيل إرساء هذه المحكمة منذ ست سنوات هو التجاذبات والحسابات السياسية الضيقة وانعدام الثقة بين مختلف مكونات المشهد السياسي داخل البرلمان وخارجه.
ويرى النائب لطفي العيادي أن السبب الجوهري في عدم إرساء المحكمة الدستورية هو طريقة اختيار المترشحين والتي تخضع إلى منطق المحاصصة الحزبية، مبينا أن الخلاف حول التركيبة يتعلق أساسا بمن سيترشح ومن ترضى عنه الكتل البرلمانية ذات الأغلبية ، “فهم يفضلون من تكون له ملفات فساد حتى يمكن السيطرة عليه”، وفق تعبيره.
وقال “إن السبب في اعتماد هذه السياسة يعود إلى حقبة التوافق بين حركة النهضة ونداء تونس”، وهو منطق اعتمد تقريبا في كل المجالات والتعيينات والترشحات، معتبرا أن المسألة لم تعد مسالة نصاب في التصويت بقدر ما هي مسألة حسن اختيار، وبالتالي فإن الحل حسب تقديره، “في أن يكون الترشح حرا”.
واقترح النائب بلقاسم حسن اعتماد أغلبية الثلاثة أخماس في انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية،وهو مقترح يحافظ على الأغلبية المعززة، وفق تقديره، ما دامت أغلبية الثلاثة أرباع غير ممكنة، داعيا إلى أن يكون انتخاب أعضاء المحكمة بالإجماع بأوسع أغلبية ممكنة لتفادي فرضيات المس من مصداقيتهم لاحقا.
من جهته قال النائب عدنان الحاجي ” أفضل أن نبقى دون محكمة دستورية على أن يتم تركيز محكمة تكون نزاهتها وموضوعيتها ومصداقيتها مطعون فيها”، مضيفا أنه “لا معنى للتنقيحات المقترحة لأن كل طرف يريد أن يطوعها خدمة لأغراضه ، والسبب الرئيسي وراء ذلك هو المحاصصة”
وتساءل عن الضمانات في أن يكون الأعضاء الذين يختارهم رئيس الجمهورية أو المجلس الأعلى للقضاء مستقلين، لافتا من جهة أخرى إلى أن المشرع الذي اختار عدد زوجي لتركيبة المحكمة كان يهدف إلى تعطيل مسار تركيزها والمفروض أن يكون عدد أعضائها 13 عضوا، “لأنه ليس هناك من مبرر لأن يكون لرئيس المحكمة صوت مرجح ” حسب رأيه.
وأشار النائب مختار اللموشي (النهضة) إلى أن وضع قانون إرساء المحكمة الدستور كان في إطار نظام وسياق سياسي معين وبناء علاقة واضحة بين السلط، فرض اختيار أغلبية معينة في انتخاب أعضائها، وأنه ليس هناك أي مبرر للحديث الحاصل حول “وضع اليد على هذه المحكمة”.
وبدوره اعتبر النائب أحمد بن بلقاسم أنه كلما طرح موضوع المحكمة الدستورية كان الجدال سياسيا لا قانونيا، وأن التجاذيات السياسية هي السبب الرئيسي في التعطيل، مبينا أن المشرع قد وضع النص القانوني لإرساء المحكمة الدستورية يصورة جامدة لا تحتمل التأويل في صورة تسجيل خلافات حول نقاط محددة تتعلق بالصلاحيات أو بالتركيبة.
وشدد على ضرورة المصادقة على التنقيحات باعتبارها المخرج الوحيد للمأزق المتعلق بتركيز المحكمة،خاصة وأن غياب المحكمة الدستورية قد أثر سلبا على المشهد السياسي وأحدث فراغا تحكيميا بين أطراف السلطة ومن أبرز تجلياته الإشكال الحاصل اليوم بين السلطات، كما أن التشتت في البرلمان وانعدام منسوب الثقة بين مختلف مكوناته لن يمكن من انتخاب أعضاء المحكمة باعتماد القانون الحالي
ولفت النائب رضا الدلاعي إلى أن تركيز المحكمة الدستورية التي تمثل أهم مرتكزات الديمقراطية في كل التجارب المقارنة، بقدر ما هو استحقاق دستوري هو استحقاق وطني بامتياز في ظل هذه التجاذبات والعبث السياسي الذي يكاد يعصف بأركان الدولة “.
وقال “إن المسألة ليست فقط إجرائية بل هي سياسية بامتياز”، داعيا مختلف الكتل البرلمانية لبذل الجهد من أجل الوصول إلى توافق والخروج من هذه الأزمة وتوفير الظروف الملائمة للانتخاب، “لأنه وفي ظل تواصل الوضع السياسي الراهن فإن المحكمة ستبقى محل تشكيك وضرب في مصداقيتها ” حسب تقديره.
وأكد ضرورة تنظيم حوار وطني يشمل، إلى جانب الملفات الاقتصادية والاجتماعية، الجانب السياسي وهو ما يفرضه الوضع المعقد داخل البرلمان وخارجه ، داعيا رئيس الجمهورية إلى تبني مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل والدعوة إلى الحوار في أقرب وقت ممكن.
وقد رفعت الجلسة بعد الساعة الثانية ظهرا لإفساح المجال أمام لجنة التوافقات للاجتماع على أن يتم استئناف الجلسة في حدود الساعة الرابعة بعد الزوال لمواصلة النقاش ثم المصادقة على التنقيحات المقترحة في صورة الوصول إلى اتفاق بين مختلف الكتل.