تجرى اليوم الأربعاء 23 نوفمبر 2022 مباريات الجولة الأولى للمجموعة الرابعة من كأس العالم فيفا قطر 2022 حيث تواجه كرواتيا المنتخب المغربي فيما تواجه كندا المنتخب البلجيكي.
وما يميز هذه المجموعة الصعبة قصة نجمين ناضلا من أجل تحقيق المجد رغم الظروف الصعبة ولدوا في ظلها وهنا نتحدث عن نجم كرواتيا لوكا ومودريتش ونجم المنتخب الكندي ألفونسو دايفيس حيث يجمع النجمين تحولهما من لاجئين إلى أبطال قوميين بعد ما أنجزوه مع بلدانهم وفي هذا التقرير نعرض لكم قصة النجمين.
لوكا مودريتش من لاجئ صغير الى بطل قومي في كرواتيا
رغم أنه بات في سن السابعة والثلاثين، لا يزال لاعب الوسط الدولي لوكا مودريتش الركيزة الأساسية لمنتخب كرواتيا، أربع سنوات بعد قيادته إلى نهائي كأس العالم للمرة الأولى في تاريخه. إنجاز سيحاول تكراره في مونديال قطر 2022 المتوقع أن يكون الأخير لطفل بدأ كلاجئ في بلاد مزّقتها الحرب.
مهّد اختياره أفضل لاعب في مونديال روسيا 2018، بالإضافة الى تتويجه مع ريال مدريد الاسباني بدوري أبطال أوروبا في العام ذاته، الى فوزه بالكرة الذهبية ليكسر احتكار دام عشر سنوات من الأرجنتيني ليونيل ميسي والبرتغالي كريستيانو رونالدو.
قال صانع الألعاب حينها بعد تسلمه الكرة الذهبية “مفتاح النجاح؟ من الصعب تحديد ذلك، العمل، المثابرة في الأوقات الصعبة. أحب دائمًا أن أردد هذه العبارة الأفضل ليس سهلاً”.
ويبدو أن تلك الكلمات لم تكن مجرد تصريح عابر في حفل زاخر، بل أثبت على مر السنوات أنه مثابر على الاستمرار في العطاء، ونجح هذا العام أيضًا في المساهمة بشكل كبير في تتويج الملكي مرة جديدة بطلا لأوروبا ولإسبانيا.
- دُمّرت قريته –
بات مودريتش أحد أبرز نجوم الكرة المستديرة في الآونة الأخيرة والاضواء مسلطة عليه أكان على صعيد الأندية أو المنتخب الوطني، في تناقض صارخ مع بدايته المتواضعة في منزل استحال بقايا مخلّعة بعدما التهمت النيران جزءا كبيرًا منه، في قرية مودريتشي التي دُمّرت خلال حرب الاستقلال.
تقع هذه القرية على سفح جبال فيليبيت المطلة على البحر الادرياتيكي، وقد كان مودريتش يقطن في المنزل الصيفي لجدّه وهو الآخر يدعى لوكا مودريتش، وقتل على يد القوات الصربية في الأشهر الأولى للنزاع (1991-1995) الذي حصد قرابة 20 ألف قتيل.
ولا تزال لوحة تذكر بذلك في تلك المنطقة وتقول “خطر!ألغام!”.
كان لوكا مودريتش في العاشرة من عمره عندما هرب مع عائلته الى مدينة زادار الساحلية التي تقع على بعد 40 كيلومتراً. هناك، وسط ضجيج القنابل التي تتساقط على المدينة الساحلية، تفتقت خصال أحد أبرز المواهب المعاصرة في القارة الاوروبية الذي أصبح قائدًا لمنتخب كرواتيا.
وتذكر يوسيب بايلو الذي كان مدربًا لفريق “ان كاي زادار”، في حديث سابق لوكالة فرانس “كنت قد سمعت عن شاب صغير نشيط لا يتوقف عن مداعبة الكرة حتى في أروقة أحد الفنادق وينام معها”.
لم تخف موهبة الفتى على أحد، لاسيما المدرب الذي رأى أن مودريتش “كان مثالاً للاعبي جيله، قائدًا محبوبًا. كان الأطفال يرون فيه في تلك الفترة ما نراه اليوم”.
- تدريبات وسط القذائف -
وبحسب ماريان بوليات صديق مودريتش، برزت موهبة الأخير وسط أجواء الحرب والنزاعات. وقال “تساقطت القذائف حولنا مليون مرة ونحن في طريقنا الى التدريب، كنا نهرع الى الملاجئ”.
واعتبر بوليات (41 عامًا)، وهو لاعب محترف سابق أيضًا، أن هذه الظروف التي خبرها مودريتش كانت “أحد العوامل التي ساهمت في أن يكون اليوم أحد أبرز لاعبي كرة القدم في العالم”.
ويعرف عن زادار بأنه ناد اختصاصي في تكوين اللاعبين. وتضم لائحة من تخرجوا من صفوفه، يوسيب سكوبلار الهداف الأسطوري في صفوف مرسيليا الفرنسي، والدولي السابق شيمي فرساليكو والحارس السابق دانيال سوباشيتش.
- “عاش أمورًا أسوأ بكثير” -
ولكن وبنظر مشجعي زادار، لمودريتش مكانة مختلفة على رغم أنه لم يدافع إطلاقًا عن ألوان الفريق. فقد التحق بنادي دينامو زغرب عندما كان في الخامسة عشرة من عمره (2000)، قبل الانتقال الى توتنهام الإنكليزي في 2008، ومنه الى النادي الملكي الإسباني عام 2012.
يقول المشجع سلافكو ستركالي “بالنسبة الى زادار، مودريتش هو من آلهة كرة القدم”.
لكن شعبيته الجارفة تلطخت بسبب التهمة التي وجهت إليه بالإدلاء بشهادة زور أمام القضاء، في فضيحة فساد هزت كرة القدم الكرواتية.
وقبل أيام من حفل جائزة الكرة الذهبية 2018، أسقطت محكمة في زغرب التهمة عن مودريتش. وقال كريسيمير ديفتشيتش لفرانس برس “لا يوجد دليل كاف على أنه ارتكب جريمة الحنث باليمين”.
وكان اتهام القضاء الكرواتي لمودريتش مرتبط بتوقيع أول عقد احترافي مع دينامو زغرب في 2004 يحدد شروط انتقاله مستقبلا. استدعي مودريتش في 13 جوان 2018 من قبل القضاء في مدينة أوسييك للادلاء بشهادته في قضية زدرافكو ماميتش، الرجل القوي والمثير للجدل في كرة القدم الكرواتية الذي يشتبه بقيامه بعمليات اختلاس عدة.
لكن الكروات لم ينتظروا حكم المحكمة ليسامحوا مودريتش على كل ما قد يكون قد ارتكبه.
- حسّاس -
فهو سبق له أن محا كل الانتقادات التي قد توجه اليه في مباراة واحدة فقط، عندما فرض نفسه نجمًا للقاء منتخب بلاده ضد اليونان في ذهاب الملحق الأوروبي المؤهل لمونديال 2018.
ويقول ستركالي إن “الأمير الصغير” هو “شخص حساس”، وهذا ما بدا عليه بوضوح بعد الخسارة أمام فرنسا في المباراة النهائية للمونديال على ملعب لوجنيكي في موسكو (2-4)، حيث كان الحزن يطغى على ملامح وجهه لضياع اللقب العالمي على الجيل الذهبي الكرواتي، على رغم أن اللاعب القصير القامة والطفولي المحيا، اختير أفضل لاعب في البطولة.
واعتبر سفيتكو كوستيتش، المسؤول في نادي زادار والذي يعرف مودريتش منذ طفولته، أن الأخير “شخص يعرف ماذا يريد، وقد علمته الحياة هذا الأمر، لقد عاش أمورًا أسوأ بكثير (…) عندما كان طفلا”.
- الكندي ديفيس من مخيم للاجئين في إفريقيا إلى المجد العالمي -
عندما تطأ قدما ألفونسو ديفيس أرض ملعب أحمد بن علي في الريان الأربعاء لمواجهة بلجيكا المدجّجة بالنجوم، ستكون أحدث خطواته العملاقة في رحلة شاقة نقلته من مخيم للاجئين في إفريقيا الى نهائيات كأس العالم مع كندا التي احتضنته وعائلته.
حقق اللاعب الذي يلعب كجناح وأحيانًا كمهاجم مع المنتخب وكظهير أيسر مع بايرن ميونيخ الالماني، الكثير في مسيرته، لدرجة أنه من السهل نسيان أنه يبلغ فقط 22 عامًا.
في سن لا يزال العديد من المحترفين يشقون طريقهم إلى المستويات العليا في الرياضة، بات ديفيس من المخضرمين. أربعة ألقاب في الدوري الالماني، لقب في كل من دوري أبطال أوروبا وكأس العالم للأندية، ليست سوى بعض الإنجازات التي حققها في مسيرته الاحترافية التي بدأت عندما كان في سن الخامسة عشرة في الدوري الأميركي لكرة القدم.
ولكن قبل كل ذلك، كان عليه مواجهة أصعب الظروف.
- السير فوق الجثث -
وُلد عام 2000 في مخيّم للاجئين في غانا، من والدين هربا من الحرب الأهلية في ليبيريا. تتذكر والدته فيكتوريا أن كان عليها أحيانًا “السير فوق الجثث للذهاب لإحضار الطعام”.
كان ألفونسو في الخامسة من العمر عندما حصلت عائلته على حق الهجرة الى كندا، حيث نشأ بداية في ويندسور في أونتاريو، قبل أن ينتقل الى إدمونتون في مقاطعة ألبرتا غرب البلاد.
تكون الحياة قاسية بداية على الوافدين الجدد، إذ يستذكر نيك هوسيه مدربه الاول والذي بات لاحقًا وكيل أعماله “بعد التدريبات، كان يعود فورًا الى المنزل لتغيير حفاضات شقيقه وشقيقته، حين كان في العاشرة من عمره، لأن والديه كانا يعملان مطولا ولا يستطيعان تحمل تكاليف مربية”.
أما ديفيس فيخبر “تدخلُ بشكل أسرع في عالم الكبار عندما يتحتم عليك إطعام الاطفال في وقت يمارس أصدقاؤك ألعاب الفيديو. كان والدي يستيقظ عند الرابعة صباحًا، فيما كانت والدتي تعمل بين العاشرة مساء والثامنة صباحًا. كان الامر قاسيًا (…) ولكننا كنا سعداء”.
في بلد يُعتبر فيه الهوكي على الجليد الرياضة الاولى، بدأ ديفيس في إظهار إمكانات هائلة في كرة القدم خلال مباريات تقام بعد الدوام عندما كان في المدرسة الابتدائية، وسرعان ما تم رصد موهبته.
يستذكر تيم آدامس، مؤسّس دوري ما بعد المدرسة “فْري فوتي” حيث برز ديفيس لأول مرة “كان الطفل بمثابة هدية لكرة القدم”.
التحق بأكاديمية كرة قدم في إدمونتون، وعندما كان في سن الـ14، اكتشفه نادي “وايتكابس” الواقع في مدينة فانكوفر والذي ينافس في الدوري الاميركي (أم أل أس) وانضم الى فريق الشباب.
بعد ذلك، بدأت الارقام القياسية تتحطم.
- الأصغر -
برق نجمه سريعًا في فانكوفر بعد أن بات في سن الـ15 وثمانية أشهر أصغر محترف كندي يلعب في الدوري الأميركي، ولاحقًا أصغر لاعب في تاريخ المنتخب الأوّل عن 16 عامًا وسبعة أشهر، بعد أيام من نيله الجنسية.
إلا ان والدته كانت قلقة للدرب الذي يسير عليه ولم ترغب بداية في رحيله قبل أن ترضخ للواقع. لكنها طلبت منه أن يفي دائمًا بوعده لها “لقد وعدتها أن أكون فتى صالحًا. أن أبقي قدماي على الارض وألا أنسى أبدًا من أين أتيت”.
في جويلية 2017، كان ديفيس أفضل هداف (بالشراكة) في كأس كونكاكاف الذهبية برصيد ثلاثة أهداف، حيث خسرت كندا في ربع النهائي أمام جامايكا.
- ميسي قدوته -
يقارن كرايغ دالريمبل، مدربه السابق في فانكوفر، ديفيس بالنجم الفرنسي كيليان مبابي “لقوته وسرعته”، علمًا أن الكندي يؤكد أن الارجنتيني ليونيل ميسي هو مثله الأعلى.
لفت انتباه مدير الرياضة في بايرن ميونيخ البوسني حسن صالح حميدجيتش الذي يجول العالم بحثًا عن المواهب النادرة، وانضم الى العملاق البافاري عام 2018 مقابل 22 مليون دولار في صفقة قياسية حينها في الدوري الاميركي.
بعد مشاركات قليلة في موسم 2018-2019، أطلق مسيرته الصاروخية أوروبيًا في التالي، لا سيما بفضل أدائه المذهل خلال الفوز 3-0 على تشلسي الانكليزي في لندن في ذهاب الدور ثمن النهائي من دوري أبطال أوروبا.
انتهى الموسم الذي توقف بسبب جائحة فيروس كورونا واستكملت فيه المسابقة القارية بنظام التجمع، بتتويج بايرن بطلا لأوروبا بفوزه 1-صفر على باريس سان جرمان الفرنسي في النهائي، ليصبح ديفيس أول كندي يرفع أغلى الكؤوس الاوروبية على صعيد الاندية.
خلال الجائحة، شارك في حملة لجمع التبرعات مع مفوضية الامم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين (يو أن ايتش سي أر)، حيث اعتبر أن الاخيرة “لطالما دعمتني، والآن حان الوقت لرد الجميل”.
على الرغم من كونه جزءًا لا يتجزأ من تشكيلة كندا التي تأهلت لكأس العالم لأول مرة منذ 36 عامًا، غاب ديفيس لعدة أشهر هذا العام بعد إصابته بالتهاب في عضلة القلب إثر إصابة بكوفيد-19.
وبعد أن عانى لاستعادة لياقته، خرج وهو يعرج بسبب إصابة في الفخذ خلال فوز بايرن 3-2 على هرتا برلين في الخامس من نوفمبر الحالي، لكن سرعان ما قال النادي إن مشاركته في كأس العالم ليست في خطر.
لا يُخفِ ديفيس فرحته بخوض النهائيات العالمية ولكنه يعترف بأنه يشعر بالتوتر. قال في مقابلة أخيرًا “سأكون متوترًا قليلا. لكن بالنسبة لي، أقول إننا وصلنا إلى هذه المرحلة لسبب ما، ويجب على كل واحد منا أن يكون واثقًا من نفسه ويدخل أرض الملعب ويظهر ما لديه”.
لكن مدرّب كندا جون هيردمان يمازح أن ديفيس يفكر سراً ربما في الفوز بكأس العالم “إنه يجسد ماهيّة هذا المنتخب وماهيّة هذا البلد – الثقة، التباهي وأن كل شيء ممكن”.
ويتابع “هذا الطفل لاجئ من غرب إفريقيا، توج بألقاب دوري أبطال أوروبا والدوري الألماني، وهو يبلغ من العمر 22 عامًا. لذا، أنا متأكد من أنه يفكر في الفوز بكأس العالم هذه. هذه هي العقلية الكندية الجديدة”.
Tweet