لم تحقق ثورة 2011، امال اهالي قابس في معالجة الوضع البيئي الذي يشكو منذ نصف قرن من تدهور كبير جراء صناعة تحويل الفسفاط وازداد هذا الوضع سوءا بعد ان انتشرت مصبات فواضل البناء في كل مكان وأتى البناء الفوضوي على مساحات شاسعة من الواحة وتفاقمت ظاهرة الصيد الجائر بسواحل الجهة بشكل لافت وباتت تهدد البحارة بشكل جدي في قوتهم.
ولم تجد الى اليوم جل القرارات التي تم اتخاذها لمعالجة الوضع البيئي بقابس طريقها الى التنفيذ وهو أمر يفسره الكثير من ابناء الجهة بعدم وجود ارادة جادة من السلط المركزية لمعالجة هذا الملف ويستدلون على ذلك بعدم احداث ادارة جهوية للبيئية بقابس رغم وجود قرار حكومي في هذا الشأن منذ سنة 2015 وبغياب المتابعة لهذا الملف رغم تكرر الحوادث الصناعية الخطيرة بالجهة.
لقد اقر المجمع الكيميائي التونسي بعد الثورة حزمة من المشاريع الرامية الى تحسين نوعية الهواء والحد من التسربات الغازية وللكف عن استغلال الموارد المائية الجوفية ببناء محطة لتحلية مياه البحر الا ان جل هذه المشاريع قد تعطلت وسجلت تأخيرا كبيرا في انجازها لتتواصل بذلك المعاناة التي يعيشها اهالي قابس جراء التلوث الناجم عن نشاط وحدات هذا المجمع.
كما اقرت حكومة يوسف الشاهد في المجلس الوزاري المنعقد في 29 جوان 2017 برنامجا لتفكيك الوحدات الصناعية الملوثة ونقلها الى مكان بعيد عن السكان الا ان هذا المشروع قد بقي الى حد اليوم حبرا على ورق لأنه اصطدم بعدم توفر المقبولية المجتمعية بالمنطقة التي وقع عليها الاختيار لتركيز هذا المشروع .
وقد واصل العديد من نشطاء البيئة بقابس حراكهم من اجل معالجة الوضع البيئي بالجهة وتجدد هذا الحراك مع غرق السفينة “اكسيلو” بالمنطقة المكشوفة للميناء التجاري بقابس حيث اصدرت 20 جمعية ومنظمة بيانا عبرت فيه عن رفضها القاطع للسياسة المتبعة للحد من الكوارث البيئية بقابس.
من جهتها اصدرت حملة ” نحب نعيش ” بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للبيئة بيانا اعتبرت فيه ان 50 سنة من التلوث الكيميائي المستمر بقابس تمثل جريمة مكتملة الأركان مؤكدة على ضرورة القطع مع هذا المنوال التنموي الملوث والفاشل وعلى السير نحو خلق منوال تنموي جديد صديق للبيئة يراعي خصوصية قابس الطبيعية ويضمن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للناس.
وكان الملف البيئي قد استحوذ على جانب هام من نقاشات فرق عمل اعداد المخطط التنموي 2023 – 2025 وأجمع العديد من اطارات ولاية قابس على ان وضعية هذه الجهة لن تتغير نحو الافضل ولن تتمكن من حسن استغلال ميزاتها التفاضلية العديدة الا بمعالجة جدية لهذا الملف تتحمل فيها الدولة مسؤوليتها كاملة عن الاضرار الجسيمة التي لحقت بهذه الولاية جراء التلوث الصناعي المتواصل فيها منذ سبعينات القرن الماضي.
ويؤكد العديد من اطارات الجهة وفعاليات مجتمعها المدني على ان كلفة التلوث الصناعي الناجم عن تحويل الفسفاط بمعامل المجمع الكيميائي التونسي قد كانت كبيرة بعد أن تسبب هذا التلوث في الاضرار بصحة المواطنين وفي تفشي العديد من الامراض الخطيرة وفي مقدمتها السرطان فضلا عن الخسائر الكبيرة التي تسبب فيها للقطاع الفلاحي برا وبحرا بسبب الغازات السامة المنبعثة من وحدات الانتاج والفوسفوجيبس الذي يقع سكبه يوميا بكميات كبيرة في البحر.
كما تسببت الصناعات الكيميائية في استنزاف المائدة المائية وفي الحيلولة دون انتصاب صناعات نظيفة بالمنطقة الصناعية بقابس التي يوجد فيها نسيج صناعي ترتبط العديد من وحداته بنشاط المجمع الكيميائي التونسي.
كما فقدت مدينة قابس بريقها السياحي الذي تميزت به قبل انتصاب المجمع الكيميائي التونسي ولم تشهد الجهة تركيز مؤسسات سياحية هامة تذكر رغم تنوع منتوجها السياحي الذي كان يجلب في سبعينات القرن الماضي الكثير من السياح من مختلف انحاء العالم.
وقد كان من نتائج تراجع قطاعات الفلاحة والصيد البحري والسياحة وضعف الاستثمار الصناعي تفاقم البطالة بولاية قابس حيث تعد هذه الولاية اليوم حسب المعطيات الواردة في وثائق الادارة الجهوية للتنمية حوالي 33 الف عاطل وعاطلة عن العمل بنسبة بطالة تفوق 25 بالمائة.
Tweet