يُذكر الفايكنغ كمقاتلين شرسين. لكن حتى هؤلاء المحاربين الأقوياء لم يكونوا ليصمدوا أمام تغير المناخ. فقد اكتشف العلماء أخيرًا أن نمو الصفيحة الجليدية وارتفاع مستوى سطح البحر أدى إلى فيضانات ساحلية هائلة أغرقت مزارع الشمال ودفعت بالفايكنغ في النهاية إلى الخروج من غرينلاند في القرن الخامس عشر الميلادي.
أسس الفايكنغ لأول مرة موطئ قدم جنوب غرينلاند حوالى عام 985 بعد الميلاد مع وصول إريك ثورفالدسون، المعروف أيضًا باسم «إريك الأحمر»؛ وهو مستكشف نرويجي المولد أبحر إلى غرينلاند بعد نفيه من آيسلندا. وسرعان ما تبعه مستوطنون آخرون من الفايكنغ، وشكلوا مجتمعات في إيستربيغ (المستوطنة الشرقية) وفيستربيغ (المستوطنة الغربية) التي ازدهرت لعدة قرون. (في وقت وصول الفايكنغ كانت غرينلاند مأهولة بالفعل بأفراد من ثقافة دورست؛ وهي مجموعة من السكان الأصليين سبقت وصول شعب الإنويت إلى القطب الشمالي، وفقًا لجامعة كاليفورنيا ريفرسايد).
فقد اقترح الباحثون سابقًا أن عوامل مثل تغير المناخ والتحولات الاقتصادية من المحتمل أن تدفع بالفايكنغ إلى التخلي عن غرينلاند. أما الآن فتظهر النتائج الجديدة أن ارتفاع مستوى البحار لعب دورًا رئيسيًا من خلال غمر أميال من الساحل، وفقًا لدراسة جديدة نُشرت يوم (الاثنين) الماضي بمجلة Proceedings of the National Academy of Sciences، وذلك حسب ما ذكر موقع «لايف ساينس» العلمي المتخصص.
وحسب ماريسا جوليا بوريجين طالبة دكتوراه بقسم علوم الأرض والكواكب بجامعة هارفارد، فانه «بين القرنين الرابع عشر والتاسع عشر الميلاديين، شهدت أوروبا وأميركا الشمالية فترة من درجات الحرارة الأكثر برودة والمعروفة باسم (العصر الجليدي الصغير). وفي ظل هذه الظروف الباردة، فإن صفيحة غرينلاند الجليدية (عبارة عن غطاء جليدي واسع يغطي معظم غرينلاند) كانت ستصبح أكبر».
وتضيف بوريجين أنه مع تقدم الغطاء الجليدي، زاد ثقله المتزايد على الركيزة تحته، ما جعل المناطق الساحلية أكثر عرضة للفيضانات.

وفي الوقت نفسه، دفع الجاذبية المتزايدة بين الصفيحة الجليدية المتوسعة والكتل الكبيرة من الجليد البحري المزيد من مياه البحر فوق ساحل غرينلاند. مؤكدة «أن هاتين العمليتين يمكن أن تسبب حدوث فيضانات واسعة النطاق على طول الساحل؛ وبالضبط حيث استقر الفايكنغ».
واختبر العلماء فرضيتهم من خلال نمذجة نمو الجليد المقدر بجنوب غربي غرينلاند على مدى 400 عام من الاحتلال الإسكندنافي وإضافة هذه الحسابات إلى نموذج يظهر ارتفاع مستوى سطح البحر خلال تلك الفترة. وبعد ذلك، قاموا بتحليل خرائط مواقع الفايكنغ لمعرفة كيف تتوافق نتائجهم مع الأدلة الأثرية التي تشير إلى نهاية وجود الفايكنغ في غرينلاند.
وقد أظهرت النماذج أنه منذ حوالى 1000 إلى 1400، كان ارتفاع منسوب مياه البحار حول غرينلاند قد غمر مستوطنات الفايكنغ بما يصل إلى 11 قدمًا (3.3 متر) ، ما أثر على حوالى 78 ميلًا مربعًا (204 كيلومترات مربعة) من الأراضي الساحلية، وفق بوريجين، التي تقول «كان من شأن هذا الفيضان أن يغمر الأرض التي استخدمها الفايكنغ في الزراعة وكمراعي لرعي ماشيتهم؛ وفقًا للنماذج». مضيفة «مع ذلك، ربما لم يكن ارتفاع مستوى سطح البحر هو السبب الوحيد الذي دفع الفايكنغ إلى مغادرة غرينلاند؛ إذ إن أنواعًا أخرى من التحديات يمكن أن تتسبب بانهيار مجتمعات قديمة، وقد تكون عاصفة كاملة من الضغوط الخارجية؛ مثل تغير المناخ والاضطرابات الاجتماعية ونضوب الموارد؛ قد دفعت الفايكنغ إلى التخلي عن مستوطناتهم للأبد».