جمعية القضاة: سنُعلم الهيئات والمنظمات الوطنية والدولية بحيثيات قضية بن بريك
عبّر المكتب التنفيذي لجمعية القضاة اليوم السبت 25 جويلية 2020 عن استنكاره لردود الفعل الصادرة إثر النطق بالحكم ضد المعلق على البرامج التلفزية توفيق بن بريك مساء أول أمس الخميس 23 جويلية الجاري ذاكرا منها بالخصوص بيان النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين الصادر يوم أمس .
واستنكر المكتب في بيان صادر عنه نشر بصفحة الجمعية على موقع “فايسبوك”:”بشدة المغالطات التي انساقت إليها نقابة الصحفيين” متهما اياها بـ”التغاضي عن تفاصيل هامة تمت على أساسها محاكمة الصحفي” الذي قال انه “انحرف بحرية الإعلام انحرافا خطيرا موجبا للمساءلة القانونية التي تعهد بها القضاء في نطاق تطبيق القوانين الجديدة المنظمة لحرية الإعلام والصحافة وبالمعاينات المباشرة وطبق إشعار الهيئة التعديلية للاتصال السمعي البصري التي وصفت التصريحات الصادرة عن الصحفي بالخروقات الجسيمة”.
وعبّر عن صدمته من “تحويل نقابة الصحفيين الخروقات الجسيمة للقانون ولأخلاقيات المهنة الصحفية والمهددة للسلم الاجتماعية عبر وسيلة إعلام خارجة على القانون حسب توصيف الهايكا وحسب توصيف رئيس نقابة الصحافيين نفسه من خلال تصريحاته المتكررة في نفس الفترة الزمنية التي بُثت فيها الحلقات المشار إليها في تقرير الهيئة إلى حرية تعبير وأسلوب للنقد وتحويل المُعلق من متهم إلى ضحية”.
واعتبر المكتب أن هذا الخلط المتعمد بين خطاب العنف حدّ التحريض على حمل السلاح والاقتتال وحرية التعبير إنما يشجع غيره من الصحفيين على تبني هذا الأسلوب” منبها “من العواقب الوخيمة لذلك” مطالبا الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري بـ”اتخاذ المواقف اللازمة مما يحصل من هجمة على القضاء والقضاة طبق المعاينات المباشرة السمعية والبصرية والتقارير ومنها تقريرها المؤرخ في 3 أكتوبر 2019 وبمواصلة دورها التعديلي”.
ونبه “كل السلط والمنظمات الوطنية والأحزاب السياسية من الخطورة البالغة للانسياق وراء قلب المفاهيم والتغطية على الخطاب الذي يحث بصفة مباشرة على حمل السّلاح ويهدّد السلم المجتمعي والمنجز المؤسسي والديمقراطي واعتباره من قبيل حرية التعبير والنقد في هذه الفترة شديدة الدّقة التي تمر بها البلاد” محملا اياها “مسؤولياتها تجاه هذا الخطاب العنيف والتحريضي الذي يهدّد استقرار البلاد وأمن المؤسسات وخاصة أمن المحاكم والقضاة والذي لا يحتمل السكوت عليه أو التغاضي عنه”.
وطالب المكتب التنفيذي “القضاة بالقيام بمهامهم في كنف الاستقلالية والحياد وفي نطاق إجراءات وضمانات المحاكمة العادلة دون الخضوع لأي ضغوط من أي جهة كانت “مؤكدا توجهه “إلى الهيئات والمنظمات الوطنية والدولية المعنية بحرية الإعلام والتعبير لإعلامها بحيثيات القضية وتفاصيلها ومآلاتها”.
وأوضح أن “السياق الذي انطلق فيه التتبع ضد المعلق توفيق بن بريك بدأ بعد عمد الاخير خلال شهر أكتوبر 2019 إلى تكرار خطاب خطير على قناة نسمة”معتبرا ان ذلك” مثّل تحريضا على العنف وحمل السلاح وشتما وقذفا ومسّا من اعتبار الأشخاص والمؤسسات ومنها المؤسسة القضائية وتأجيجا للرأي العام وإثارة للبلبلة” مضيفا “النيابة العمومية عاينت ذلك مباشرة الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري رصدته في ثلاث استمارات(fiches ) متعلقة بثلاث حلقات ووجهت فيها تقريرا مفصلا للنيابة العمومية طبق بلاغها الصادر في 3 أكتوبر 2019 والذي ذكرت فيه الهيئة حرفيا أنها “أحالت على وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية ببن عروس تقريرا يتعلق بخروقات جسيمة تمّ رصدها على القناة الخاصة غير الحاصلة على إجازة “نسمة” تتضمن بث خطابات تدعو للعنف والتحريض على الكراهية وحمل السلاح بما يهدد السلم الاجتماعي في وضع عام يشوبه التوتر” علاوة على ما تم بثه من عبارات ثلب وشتم وقذف وإهانة فيها مس من اعتبار وسمعة أشخاص وهيئات ومؤسسات رسمية”.
واضاف المكتب ان الحلقات موضوع المخالفة تعلقت خاصة بـ:
– حلقة 17 سبتمبر 2019 من برنامج سياسي تحت عنوان “هات الصحيح” تم خلالها بث خطاب تحريضي يهدف إلى تأجيج الرأي العام والتجييش لإثارة البلبلة.
– حلقة 30 سبتمبر 2019 من برنامج حواري اخباري تحت عنوان “ناس نسمة” تم فيها استضافة “توفيق بن بريك” وتم خلالها بث خطاب فيه دعوة للعنف وتحريض على الكراهية وحمل السلاح.
– حلقة 1 أكتوبر 2019 من برنامج “ناس نسمة” استمر فيها الضيف نفسه في بث خطاب تحريضي على العنف والكراهية تضمن عبارات ثلب وشتم وقذف وإهانة ومس من اعتبار وسمعة أشخاص والمؤسسة القضائية.
وذكّر ببيان جمعية القضاة الصادر بتاريخ 3 أكتوبر 2019″ إثر اطلاعه على حديث المعلق بقناة نسمة توفيق بن بريك مساء الثلاثاء 1 أكتوبر 2019 خلال برنامج “ناس نسمة” وما تخلل من تهجم على القضاة بأبشع النعوت ومن تحريض صريح على العنف بحمل السلاح على إثر صدور قرار دائرة الاتهام بعدم الإفراج عن صاحب القناة، وما جاء في ذلك البيان من استنكار شديد لكلام المعلق لما مثّل من تعد سافر على أشخاص القضاة اقترن بالتحريض على حمل السلاح في قصد واضح لتقويض الثقة العامة في القضاء بخطاب إعلامي غير مسبوق في الانحدار إلى القاع ومن تأكيد على أن ذلك لا يمكن أن يمثل بأي حال من الأحوال تعبيرا عن الرأي ولا أن يندرج ضمن حرية التعبير والنقد الإعلامي الموضوعي”.
وأشار المكتب الى ان “مقتضيات الدستور في فصله 49 تنص على كون الحريات تمارس ضمن الضوابط التي يحددها القانون وأن تلك الضوابط محددة بالمرسوم عدد 115 لسنة 2011 وهو المرسوم الذي ساهمت في صياغته النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين طبق المعايير الدولية لحرية الصحافة والإعلام والذي ينص على العقوبات السالبة للحرية في بابه الخامس المتعلق بالجرائم المرتكبة بواسطة الصحافة والتي يمكن أن تصل العقوبات فيها إلى خمس سنوات سجنا ومنها التحريض على العنف والقتل والكراهية والاعتداء على الحرمة الجسدية للأشخاص والثلب والقذف والمس من سمعة الأشخاص”.
وأوضح أن “النيابة العمومية بالمحكمة الابتدائية ببن عروس كانت قد أثارت التتبع وفتحت البحث التحقيقي ضد المعلق الصحفي الذي انتهى بمحاكمته بناء على معاينتها للتصريحات المحرضة على العنف والكراهية وتأجيج الرأي العام وإثارة البلبلة وما صدر عنه من شتم وثلب وقذف ودعوة إلى حمل السلاح ضد الأشخاص والمؤسسات ومنها المؤسسة القضائية وبناء على تعهدها بتقرير في الغرض من الهيئة العليا للاتصال السمعي والبصري وهي الجهة المخولة لرصد التجاوزات الإعلامية والمطالبة بملاحقة أصحابها جزائيا وفق مقتضيات المرسوم 116 الذي ينص في فصله 29 على أنه في حالة خرق المقتضيات والالتزامات الجاري بها العمل فإنه يمكن للهيئة إحالة الأمر إلى السلطة القضائية أو المهنية المختصة إذا استوجب الأمر ذلك وهو ما فعلته الهيئة في قضية الحال”.
يشار الى ان النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين كانت قد أدانت في بلاغ صادر عنها نشرته يوم أمس الجمعة على صفحتها بموقع “فايسبوك”بشدة الحكم الصادر يوم أول أمس الخميس عن الدائرة الجناحية بابتدائية بن عروس في حق الصحفي والكاتب توفيق بن بريك والقاضي بسجنه سنة مع النفاذ العاجل على خلفية تصريحات كان قد أدلى بها خلال فترة الجملة الانتخابية لانتخابات 2019 لاحدى القنوات التلفزية.
واعتبرت النقابة ان الحكم الصادر في حق توفيق بن بريك فضيحة قضائية وانحرافا خطيرا في المعالجة القضائية لملف يدخل في إطار حرية التعبير مطالبة بإطلاق سراحه فورا.
واكدت ان هذا “الحكم القاسي” يأتي في سياق تنامي الاتهامات للقضاء بالانحياز والارتهان لسلطة بارونات المال والسياسة معتبرة ان من شأن ذلك “أن يضرب في العمق ثقة الرأي العام في السلطة القضائية التي من المفروض أن تكون ضامنة للحقوق والحريات وحامية لمسار الانتقال الديمقراطي في تونس”.
وعبرت النقابة عن “خشيتها الشديدة” من إقحام الصحفيين في الصراعات السياسية منبهة إلى تنامي ما اسمته بـ”دكتاتورية القضاة لضرب حرية الرأي والتعبير والصحافة في مقابل تواصل الإفلات من العقاب للمهربين والفاسدين ودعاة العنف والتطرف داعية المجلس الأعلى للقضاء للتدخل العاجل للتحقيق في ما اعتبرته “فضيحة “قضائيّة” وتعديل أوتار سلطة قضائية ينتظر منها الكثير لإنجاح استحقاقات الثورة .
وذكرت بأن توفيق بن بريك كان أحد عناوين مقاومة الاستبداد وتكميم الأفواه في ظل النظام السابق وأنه شخصية إعلامية وأدبية لها أسلوب متميز يعتمد على المجاز في الخطاب وانه لم يكن داعية للتطرف أو الإرهاب أو بث الفوضى.
واكدت أن مؤسسة القضاء مثلها مثل بقية مؤسسات الدولة وعلى رأسها رئاسة الجمهورية والمؤسسة العسكرية لا يمنحها القانون التونسي ولا المعايير الدولية لحقوق الانسان أية حصانة تجاه النقد الذي يطال مدى استقلاليتها عن النفوذ السياسي والمالي.
واشارت إلى أنّ المدونات القانونية لكل البلدان الديمقراطية تتفق على أنه يُسمح في النقاش العام المتعلق بشخصيات عامة في المجال السياسي والمؤسسات العامة بكافة أشكال التعبير غير المقيد مضيفة ان الحكم الصادر في حقّ بن بريك لم يراع هذا الجانب وان من شأن ذلك تعزيز “المخاوف من العودة السافرة لحظر انتقاد مؤسسات، مثل الجيش والأمن والقضاء”.
الشارع المغاربي
Tweet