يحتفل النادي الإفريقي اليوم الثلاثاء 4 أكتوبر 2022 بذكرى تأسيسه الـ102.. تاريخ يحمل لمحبّي الأحمر والأبيض ذكريات امتدت لأكثر من قرن من الزمن دافع خلالها الفريق عن كيانه ووجوده وحصد ألقابًا وبطولات بفضل تضحيات رجالات كانوا يمثلون صفه الأول.
من التأسيس إلى تغيير الاسم.. قصة كفاح مع المستعمر
”نحن في شهر ديسمبر 1919، مسؤولو الملعب الافريقي الاسم القديم للنادي، يجتمعون في مقهى بباب الجديد بحضور أكثر من عشرين عضواً من بينهم صالح السوداني، محمد بدرة، أحمد الضحاك، العربي المؤدب، البشير بن عمر، عبد الرزاق كرباكة، أحمد المستاوي وغيرهم من الأسماء التي ساهمت في تأسيس الملعب الإفريقي”.
انتهى الإجتماع بإقرار تقديم مطلب لتأسيس الفريق من جديد بعد أن تمّ حلّه من المستعمر، واتفق الحاضرون على أن يكون اسم النادي الملعب الافريقي، ألوانه حمراء وبيضاء وشعاره النجمة والهلال، على أن تتكوّن هيئته من البشير بن مصطفى كرئيس، وجمال الدين بوسنية نائباً للرئيس، والشاذلي الورقلي كاتباً عاماً وحسن القروي أميناً للمال.
ورفض المستعمر الطلب واضعاً شروطاً معيّنة قبل الموافقة على التأسيس، وهي أن يكون رئيس النادي فرنسيّ الجنسية، وأن يتم تغيير الألوان من الأحمر والأبيض إلى الأزرق وأن يتم تغيير شعار الفريق من النجمة والهلال، رمز العلم التونسي، إلى شعار آخر.
أكتوبر 1920.. ولادة تحت اسم النادي الإفريقي
وفي شهر سبتمبر 1920، تقدّم الأعضاء بطلب جديد بعد الموافقة على تغيير اسم النادي من الملعب الإفريقي إلى النادي الافريقي مع المحافظة على الألوان نفسها، قبل أن يقوم الوزير الأول الطيب الجلولي في الرابع من أكتوبر 1920 بإمضاء وثيقة ميلاد النادي الافريقي، لتنطلق رحلة فريق ناضل رجال من أجل تأسيسه، وحاربت أجيال من بعدهم من أجل المحافظة على بريقه وتاريخه ولرفع اسمه عالياً بين الأمم على امتداد قرن وسنتين.
ومرّت السنوات وتعاقبت الأجيال على فريق خُلق من رحِم حلم صنعه رجال وآمن به جمهور انطلق في وضع اسمه على طاولة التتويجات التونسية والقاريّة، حاصداً ألقاباً في كل الرياضات، وزارعاً عشقاً في قلوب جماهير تعلّقت بألوان الأحمر والأبيض.
طوال قرن من الزمن، لم يكن النادي الافريقي مجرّد نادٍ، لقد تحوّل الفريق إلى شعار ونظام حياة وطريقة عيش، في وطن أصبحت فيه الرياضات الجماعية والفردية مُتنفّساً تلجؤ إليه الجماهير دفاعاً عن حريّتها وتعبيرا عن آرائها.
تتويجات حفظها التاريخ
وسجل فريق باب جديد منذ تأسيسه تتويجات تجاوزت حدود الوطن ورفعت راية تونس عالياً، ربّما بقيت في الأذهان تلك الألقاب التي رفعها فرع كرة القدم، لكن النادي الإفريقي يملك في خزينته ألقاباً بقيت خالدة في التاريخ وراسخة في أذهان محبيه من الشمال إلى الجنوب.
وعلى غرار الفروع الأخرى، شهد فرع كرة القدم مرور أساطير منذ تأسيسه، أسماء كالصادق عتوقة، منير القبائلي، الهادي بن عمار، محمد صالح الجديدي، علي رتيمة، أحمد الزيتوني، عيد الرحمان الرحموني، نجيب غميض، الطاهر الشايبي، منصف الخويني، حسن بعيو، مختار النايلي، الهادي البياري… هي أسماء لعمالقة لا يمكن أن ينسوا من الذاكرة.
وتداولت الأجيال شعار وألوان الفريق وتتالت الألقاب، حتى جاء ذلك اللقب القارّي في 1991، لقب صنعه لاعبون عشقوا النادي قبل أن يحملوا ألوانه من بينهم عادل الهمامي، لطفي المحايسي، فضيل مغاريا، فوزي الرويسي، عادل الرويسي، عادل السليمي وشقيقه سمير، سامي التواتي، صبري البوهالي وغيرهم مّمن كانو حاضرين في ملعب المنزه ذات يوم من شهر نوفمبر 1991، وبعدها بأسابيع قليلة في كامبالا في أوغندا.
في الأزمات يظهر معدن الجمهور..
لكن قصّة النادي الافريقي الذي يحتفل اليوم بعيد ميلاه الثاني بعد المائة لم يصنعها لاعبون ومسؤولون ومدربّون فقط، بل كانت قصّة صنعها أيضاً جمهور لبّى نداء الواجب ودافع عن ألوانه، مضحيّاً بكل ما يملك حتى يواصل النادي مسيرته.
ولا يمكن لأحد أن ينسى الأزمات التي هزّت نادي باب جديد منذ 2016 والتي هدّدت كيانه وجعلت جماهيره تنتفض وتثور على وضع كاد يعصف بالفريق ليتحدوا ويضعوا اليد في اليد ويضربوا مثلا في الوفاء النادر لجماهير خلقت مفهوما جديدا سيظل راسخا في الأذهان أطلقوا عليه اسم ”اللطخة” التي بدأت بفكرة لتتحوّل فيما بعد إلى ظاهرة تحدّثت عنها وسائل الإعلام في العالم، وصلت حتى إلى مكاتب الفيفا، التي أضحت على يقين أن نادٍ يملك ذلك الجمهور سيخرج حتماً من الأزمة التي يعيشها.
وفي ظرف قياسيّ التفّت الجماهير حول فريقها ومسؤوليها وضخّت أموالاً عجزت هيئات سابقة عن توفيرها، والهدف كان واحداً ألا وهو خلاص كل العقوبات التي سلّطها الاتحاد الدولي لكرة القدم على النادي الإفريقي، وبعد أن كان الجميع يعتقد أنّ الفريق وصل إلى حافة الهاوية حتى أن البعض ذهب إلى إمكانيّة مغادرته للقسم الشرفي وانهياره، خرج المارد من قمقمه ليعلن أنّ لا مستحيل مع “جمهور الغالية”.
وطيلة ثلاث سنوات، ضخّت جماهير النادي ودون تردّد، مبلغاً ناهز 11 مليون دينار في خزينة الفريق وفي حساب تم فتحه للغرض بغاية فضّ نزاعات الفريق مع الفيفا وإنقاذه من عقوبات كانت تتربّص به.
وبفضل هذه الجماهير الوفيّة بلغ النادي الافريقي برّ الامان، وهاهو يحتفل اليوم بعيد ميلاده الثاني بعد المائة، في يوم ستخّلد فيه أسماء شخصيات تداولت على رئاسة النادي على غرار كلّ من البشير بن مصطفى، مصطفي صفر، محمد العاصمي. عبد العزيز الأصرم، محمود المستيري، فريد مختار، رضا العزابي، حمادي بوصبيع، شريف بلّامين، حمودة بن عمار، فريد عباس، كمال ايدير وآخرهم يوسف العلمي الذين تواجدوا وأثبتوا حبّهم للأحمر والأبيض في كل مرة كان فيه النادي في حاجة إليهم.
المستقبل يبدأ الآن..
اليوم.. فريق باب جديد تجاوز أحلك أزماته بفضل جمهوره الذي أثبت أن عند الشدائد تظهر المعادن.. لينطلق في مرحلة جديدة بعد استقرار إداري ومالي كان الفضل في جزء كبير منه لعشاق ذادوا عن ناديهم ودافعوا ومازالوا عن كيان ناديهم ليبقى شامخا ولتُرفع راية الأحمر والأبيض عاليا …
Tweet