إذا كان حفظ الطعام بالتبريد بدأ في منتصف خمسينيات القرن الـ18 وتطور في أوائل القرن الـ19 حتى أن الثلاجات المنزلية اشتهرت فقط في العام 1940 فماذا فعل القدماء للحفاظ على طعامهم منذ آلاف السنين؟
يذكر موقع “ديسكفر” أن علماء الآثار وجدوا أدلة على مجموعة متنوعة من تقنيات الحفاظ على الأطعمة التي استخدمها الناس قديما، بعضها شائع مثل التجفيف والتمليح والتدخين والتخليل والتخمير والتبريد في الثلاجات الطبيعية كالجداول والحفر تحت الأرض والأقبية، والبعض الآخر يعد ممارسات قديمة غير تقليدية مثل دفن الزبدة في المستنقعات.
وعلى الرغم من انعدام التكنولوجيا تقريبا فإن الطرق القديمة كانت فعالة بشكل كبير حتى أن بعض المنتجات قد نجت منذ آلاف السنين.
طرق إبداعية
وفقا لموقع “لايف ساينس” (Live Science) فقد كان على الناس منذ آلاف السنين إيجاد طرق ذكية للحفاظ على الطعام تؤدي إلى إبطاء نمو الكائنات الحية الدقيقة التي يمكن أن تسبب الأمراض المنقولة بالغذاء أو تؤدي إلى تعفن الطعام، ومن هذه الطرق الدفن في البرك وفي مستنقعات المياه العذبة وكذلك الدفن تحت الأرض، ولكن كيف كانت هذه الطرق تعمل؟
الدفن في البرك
وفرت برك المياه مكانا لتخزين أجزاء الحيوانات التي اصطادها القدماء، حيث يتم وضع بقايا الحيوان عن قصد في واحدة من البرك الضحلة التي تنتشر في الطبيعة.
لكن عملية حفظ اللحوم خلال هذه العملية لم تكن بسبب الماء، بل بسبب وجود بكتيريا “لاكتوباسيلوس” التي تعيش في الماء وتنتج حمض اللاكتيك، وهو منتج ثانوي كيميائي للتنفس اللاهوائي، وبالتالي حينما تغزو البكتيريا هذه اللحوم في برك المياه فإن حمض اللاكتيك الذي تفرزه يحافظ على كتلة العضلات الموجودة في اللحوم.
وإضافة إلى ذلك فإن حمض اللاكتيك يعمل على جعل اللحوم طرية، كما يضفي رائحة وطعما قويين، مما يجعل منها وجبة لذيذة في النهاية.
وإلى جانب وجود هذه البكتيريا النافعة في المياه فإن درجة الحرارة المنخفضة ومحتوى الأكسجين المنخفض في مياه البرك ساعدا في عملية الحفظ.
قصة الماموث المخزن في الماء
اكتشف مزارعان في ولاية ميشيغان الأميركية عظم حوض ماموث بالصدفة في عام 2015، وحينما تم الإبلاغ عن الأمر تدخل فريق بحثي ليجد أنه منذ أكثر من 11 ألف عام -حينما جابت قطعان الماموث أميركا الشمالية- كان الصيادون يحتفظون ببقايا صيدهم في البرك لاستخدامها لاحقا.
يقول دانيال فيشر الأستاذ في متحف جامعة ميشيغان لعلم الأحافير لموقع “لايف ساينس” إن مطاردة هذا الماموث ربما حدثت في الخريف، وتم ذبح الحيوان ووضع قطع كبيرة منه في الماء في البرك الصغيرة المجاورة، وقد ظل اللحم صالحا للأكل حتى الصيف التالي.
وجاء قول فيشر بناء على التجارب التي أجراها بنفسه باستخدام الغزلان ولحم الضأن وحتى الحصان، فقد وجد أن اللحم كان لا يزال صالحا للأكل حتى بعد قضاء شهور مغمورا في أحواض صغيرة وباردة مماثلة لكن بعد طهيه جيدا أولا لقتل أي بكتيريا ضارة قد تكون قد استقرت فيه.
الدفن تحت الأرض
لم تتوفر برك المياه الطبيعية للجميع في ذلك الوقت، لذا تم استخدام وسيلة أخرى لحفظ الطعام وهي الدفن، ويعد دفن الطعام طريقة جيدة للحفاظ عليه طازجا، لأنه يحميه من أشعة الشمس والحرارة والأكسجين، وهي العوامل الثلاثة التي تزيد معدل فساد الطعام.
وتقول جيسيكا سميث الأستاذة المساعدة في كلية الآثار بجامعة دبلن -التي نشرت دراسة حول “زبدة المستنقعات” في دورية “نيتشر” (Nature) عام 2019- إنه “في غضون عامين أو 3 أعوام تتحلل الدهون الموجودة في الزبدة الطازجة إلى كتلة من الأحماض الدهنية”.
عصر الحفظ بالتجميد
ووفقا لموقع “فيرمونت ببليك”، فقد اعتقد رجل من ولاية ماساشوستس الأميركية في القرن الـ19 يدعى فريدريك تيودور أنه يمكن أن يصبح ثريا عن طريق شحن الجليد إلى الأماكن الأكثر دفئا في العالم، وبعد المحاولة والفشل عدة مرات نجح أخيرا في إقناع الناس بوجود سوق للجليد.
وقد تمكن بالفعل من شحن الجليد إلى جميع أنحاء العالم، حيث قام بالحفاظ على الثلج عن طريق عزله بالقش ونشارة الخشب وتخزينه في المستودعات حتى يحين وقت استخدامه.
كان الناس يقطعون الجليد من البحيرات باستخدام المناشير اليدوية، ثم استخدموا الآلات التي تجرها الأحصنة لقطع الجليد لكنه ظل عملا صعبا وخطيرا.
واعتاد الناس في المدن أيضا على استخدام الثلج كإحدى الضرورات اليومية، وفي النهاية تمت الاستعاضة عن الجليد الذي يتم الحصوله عليه من الطبيعة بالجليد المصنوع في المصانع.
وكان يتم حفظ الطعام في صناديق الثلج، وهي عبارة عن صناديق خشبية أو معدنية مع حجرة في الأعلى، حيث يتم وضع كتلة من الثلج فيها، وبالتالي يسقط الهواء البارد من الأعلى على الطعام تحته فيبرده.
وأخيرا تم اختراع الثلاجة الكهربائية في أوائل القرن العشرين، وأصبحت مشهورة بحلول عام 1940.
Tweet