نظّمت كلّ من وزارة الشؤون الثقافية والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بمقرّ “الالكسو” اليوم الاثنين 22 ماي 2023 الملتقى الثاني رفيع المستوى للتّعريف بالخطة الشّاملة للثقافة العربية المحدّثة، والذي يتواصل إلى حدود يوم غد الثلاثاء 23 ماي 2023، وذلك تحت إشراف وزيرة الشؤون الثقافية الدّكتورة حياة قطاط القرمازي والمدير العام للمنظّمة الدكتور محمد ولد أعمر.
وكان ذلك بحضور عدد من ممثلي البعثات الدّيبلوماسيّة ببلادنا، وعدد من الضيوف والخبراء المختصين من تونس ودول عربية شقيقة.
ويأتي هذا اللقاء في إطار توصيات مؤتمر المسؤولين عن الشؤون الثقافية في الوطن العربي والمنعقد في دولة الإمارات العربية المتحدة في ديسمبر 2021 والذي صادق على هذه الخطة وأوصى بالتعريف بها لدى الدول العربية والفاعلين في الحقل الثقافي العربي.
وفي كلمة ألقتها بالمناسبة، أعربت وزيرة الشؤون الثقافية حياة قطاط القرمازي عن اعتزازها باحتضان تونس لفعاليات هذا الملتقى في إطار دعمها للعمل العربي المشترك ودعما للثقافة العربية وتعزيز انتشارها كونيا، موجهة عبارات الشكر لكامل الفريق الذي اشتغل على المشروع وعلى رأسهم المنسق العام لمشروع الخطة الشاملة للثقافة العربية المحدثة الأستاذ عبد الرؤوف الباسطي.
وأكدت على القيمة الكبرى للثقافة، وللتراكمات الفكرية والثقافية عبر الزمن، وباختلاف التجارب والحضارات، مذكّرة باستناد كلّ الثقافات إلى القِيَمٍ الإنسانيّة والمِخْيَالٍ الجَمِعيٍّ الذي تُتَرْجَمُ من خلاله التّجربة الحياتيّة المُشتركة، وأنّ الثقافة معنيّة أيضا بِتَراكُماتِ الماضي وتَنافُذِ الحضارات المُتعاقبة مَوْصُولة بإسْهاماتِ الحاضر وتُعبّرُ بإبْداعَاتها عن حَيَوِيَّتها وقُدْرتها على التّفاعُل مع مُستجدّات العصْر، ويتطلّب ذلك توفّر شروط أساسية أهمّها الحفاظ على مُقوّمات الهويّة بحماية التراث و صيانته وتثمينه وتحرير الإرادة والمُبادرة وضمان حرية التعبير والعقل وتنمية الملكة النقدية وتوفير الإطار القانوني والتنظيمي الملائم وتوفّر الإطار المؤسساتي وفضاءات الابداع الجاذبة.
وفي سياق متّصل، أبرزت الوزيرة دور المُتغيّرات النَّاتجة عن مدّ الثّورات العربية خلال العشرية الأخيرة بالإضافة إلى المُستجدات التي فرضتها جائحة كوفيد 19ومع تَسارُعِ نَسَقِ ثورة المعلومات والاتّصالات والوسائط والحَوامل الرقميّة في فرض تحديات مُتنوّعة ومُتزايدة تواجهها الدول العربية، مما يلزمنا بإعادة صِياغة شاملة للأدْوار الجديدة للثقافة ولعمليّة إصْلاح وتحْديث الخطة الشاملة للثقافة العربية وللسياسات الثقافية والبحث في البَدائل للتّصوّرات والأُطر والآليّات التي لم تَعُدْ تَسْتجيبُ في جُزْءٍ مِنها لمُتطلّبات الحركيّة المُجتمعيّة وخاصّة الثقافيّة الراهنة.
وقد أفادت الدّكتورة حياة قطاط القرمازي أنّ الخطة الشاملة للثقافة العربيّة المُحدثة هي أَحَدَ أبْرز الإسْهامات التي تُقدّم صِياغةً جديدةً لأدْوار الثقافة وتحْديث مَضَامِينها ومَحامِلها وطُرق انْجازها بداية من التراث الحضاري بشقّيه المادي وغير المادي، وُصُولًا إلى الصّناعات الثقافيّة والإبداعيّة وتأكيدِ ارْتباطِها بأهْداف التنمية المُستدامة والنّمو الإقتصادي، وقد اعْتمدت السياسة الثقافيّة لتونس استراتيجيّة تَوَلِّي الثقافة دوْرًا مِحْوريًّا في بِناء مُجتمع مُتوازن نَشيط ومُبدع ومُنفتح ومُبادر بما يُمكّن من تَحْقيق التنمية المُسْتدامة والشّاملة باعْتبار الثقافة رافِعة للتّنمية الاقتصاديّة وإرْساءِ نموذج جديد للثقافة يَهدف لتحقيق اللّامركزيّة الثقافية النّاجْزة بإعْتماد مِنْوال ثقافي يَنْبع من تطلُّعات مُختلف الفئات الإجتماعية وانْتِظاراتِها.
وتَتَمَحْوَرُ الاستراتيجيّة الثقافيّة -وفقا لما جاء في كلمة الوزيرة- حول تحقيق عدد من الأهداف منها دفْعِ الصّناعات الثقافيّة والإبداعيّة باعْتبارها رَافِعة للاقتصاد الجديد وتوفير بنية تحتيّة ومَرْفَق ثقافي أكْثر تطوّرًا وجاذبيّةً ومُراعاةً للتَّوازن بين الجهات وتصرّفٌ أنْجع في التراث حمايةً ومحافظةً وتثمينًا وترويجًا، فضلا عن سنّ إطار قانوني ومؤسّسي وتنظيمي للثقافة والفنون مُشجّعٌ للمبادرات الإبداعيّة ومُكرّس للّامركزيّة الثقافية و للحوكمة، وضمان حُضور ثقافي فاعل وطنيًّا وإقليميًّا ودوليًّا.
وأعرب المدير العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم الدكتور محمد ولد أعمر عن جزيل شكره وامتنانه لوزيرة الشؤون الثقافية الدكتورةِ حياة قطاط القرمازي على تَعاوُنِها البنّاءِ معَ المنظمةِ العربيةِ للتربية والثقافة والعلوم، وعلى الأَخَصِّ على مُبَادرتِها باستضافةِ اللّقاءِ الثانيِّ رفيعِ المستوى للتعريفِ بالخطةِ الشاملةِ المحدَّثةِ للثقافةِ العربيةِ وأهدافِها وبرامجِها، ممّا يؤكد حرصَ الجمهوريةِ التونسيةِ وانخراطَها الكاملِ في آلياتِ وبرامجِ العملِ الثقافيِّ العربيِّ المشترك.
وأفاد بأن الخطةُ الشاملةُ المحدّثةُ للثقافةِ العربيةِ هي وثيقةً استرشاديةً شاملةً، أَعَدَّتْها المنظمةُ العربيةُ للتربيةِ والثقافةِ والعلومِ تنفيذًا لِقَرَارِ الدّورةِ الواحدة والعشرين (21) لِمؤتمر الوزراءِ المسؤولينَ عنِ الشؤون الثقافيةِ، التي أَوْصَت بِتَحديثِ مُحْتَوى الخطةِ الأولَى التي أَقرّها المؤتمرُ العامُّ للمنظمةِ العربيةِ للتربيةِ والثقافة والعلوم في ديسمبر 1985، وكذلكَ الخطةُ الشاملةُ المحدّثةُ التي أقرّها مؤتمرُ الوزراءِ المسؤولين عن الشؤونِ الثقافيةِ في (الدوحة – دولة قطر 2010).
وأضاف الدكتور محمد ولد أعمر أن مراحلُ إعدادِ الخطةِ الشاملةِ للثقافةِ العربيةِ التي اسْتَمَرَّتْ سنةً كاملةً تعتبر فرصةً مُهِمَّةً عَمِلَتْ خِلَالَها المنظمةُ وفريقُ الخبراءِ على إِشْرَاكِ الدُّولِ العربيةِ في تفكيرٍ مُتَجَدِّدٍ في السّياساتِ الثقافيةِ لِمُعَالَجَةِّ التحدياتِ وتحديدِ الأولوياتِ العاجلةِ والْمُسْتَقْبَلِيَّةِ من أجلِ بَلْوَرَةِ قطاعٍ ثقافيٍّ عربيٍّ أكثرَ قوةً وفاعليةً، مبرزا أن مُعِدُّي الخطةِ حرصوا على توسيعِ نطاقِ السياساتِ الثقافيةِ لِتشْمَلَ القضايا الأكثرَ تَأثيرا في الحياةِ المجتمعيةِ، وَهُوَ نهجٌ يَرْتَكزُ بالكاملِ على السياساتِ العامةِ وآفاقِ التنميةِ المستدامةِ مع خطةِ الألكسو لتعزيزِ التبادلِ الحُرِّ للأفكارِ والمعارفِ وتشجيعِ التعاونِ بين البلدانِ العربيةِ وتَوْظِيفِ قوةِ الثقافةِ لمواجهةِ التحدياتِ المشتركةِ.
ويتضمن اللقاء الثاني رفيع المستوى حول “الخطة الشاملة المحدثة للثقافة العربية” جملة من المحاور واللقاءات وجلسات العمل، منها ما يتعلق بتقارير الخبراء حول محتوى الخطة، ومناقشة المحاور المنصوص عليها مع عدد من الخبراء على غرار السادة والسيدات مراد الصقلي وسلوى عبد الخالق من تونس، وهاني الهياجنة من الأردن، وشفيق بالغيث من المغرب وغيرهم.
وسيقدم خلال اليوم الختامي للقاء عرضا لبرنامج عمل لمرافقة الدول العربية في الاستفادة من مخرجات الخطة وبرامجها والأنشطة والمشاريع التي يقترحها الدكتور أحمدو حبيبي، إلى جانب اقتراح شراكات عملية بين الدول العربية انطلاقا من الخطة الشاملة المحدثة للثقافة العربية.